مقدمة:
ما أكثر
الألغاز التي يمتلئ بها التأريخ البشري على الأرض وجاء بها تراثه الشفوي والمكتوب ،
منها ما تم حله ومعرفة أسراره ، ومنها ما لم يتم الى الان وربما يكون من أكبر هذه
الألغاز وأكثرها صعوبة في الحل ، هو لغز قارة أطلانطس الضائعة التي قيل أنها جزيرة
كبيرة في حجم قارة بأكملها كانت تقع في المحيط الأطلسي "الأطلنطي" والتي
أخذت أسمها من أسمه وكانت فيها حضارة عظيمة زاهرة أتصلت بالأمم المجاورة وتبادلت
معها التجارة ثم أختفت في يوم وليلة .. غارقة تحت أمواج المحيط ، تحت سطحه ربما
بمئات أو آلاف الأقدام ، ولم يتبق عنها الا قصة ذكرها الفيلسوف الأغريقي الشهير
" أفلاطون" في محاوراته الفلسفية ، قصة تكشف شوق البشر الى مدينة فاضلة
وعصر ذهبي يعيشون فيه أكثر سعادة وينعمون بخيراته.
وهي قصة
ألهبت خيال الناس على مختلف فئاتهم عبر العصور ، ولم تنجح تلك العصور المتعاقبة في
تبديدها أو محو الشكوك التي أثيرت حولها ، رغم أن المصدر الوحيد لهذه القصة
وتفاصيلها هو أفلاطون أول من تكلم عليها وعنها في مناظرتيه "تيماوس" و
"كريتياس" حين سرد قصة أمبراطورية أطلانطس الجبارة الواقعة في جزيرة ذات
حجم هائل تقع في مكان ما غرب اليونان. وذكر أن الأطللانطيين هزموا العيد من
الأراضي المحيطة بجزيرتهم الضخمة غير أن طغيانهم أستؤصل حينما أدى زلزال وفيضان
الى غرقها تحت البحر.
وحدد أفلاطون
زمن غرق أطلانطس بأنه قبل زمنه بحوالي 9000 عام تقريباً أي منذ 11500 عام. وقال
أنه سمع القصة من أحد أحفاد رجل الدولة الأثيني القديم المدعو "صولون"
الذي سمع بدوره عن أطلانطس من بعض كهنة مصر.
وتتبع تأريخ
موضوع قارة أطلانطس مهمة شاقة. فقد جمع أحد الخبراء بأطلنطس وأسطوريتها قائمة تضم
أكثر من مائة وخمسين كتاباً دونوا توضيحات وتفسيرات لفقرات أفلاطون عن أطلانطس ،
والواقع أن معجم أطلانطس لا يريد أن يشهد له نهاية ، فكل يوم يزداد ويتسع فقراته
وموضوعاته.
وما زالت البشرية جيلا بعد جيل تهتم بهذه القصة التي ظلت عالقة في الأذهان لمدة تزيد عن 9200 سنة الى ان تم تدوينها لأول مرة ، وتحولت من تراث العالم الشفوي الى تراث العالم المكتوب تتناقله الأجيال آملة في أكتشاف موقعها والكشف عن كنوزها الثمينة ... فوضعت حولها آلاف الكتب والروايات والقصص القصيرة والأشعار ، بل وتناولتها السينما بأكثر من عمل. والطريف أن أسمها أطلقه الناس على منشآت ومواقع جغرافية ومجلات ، حتى أن العلماء أطلقوه على منطقة محددة من المريخ "الكوكب الأحمر" وهب الباحثون والعلماء والغواصون للبحث عنها في عديد من الجهات مزودين بأحدث ما وصل إليه العلم في القرن العشرين من تكنولوجيا متقدمة للبحث عنها لعلهم يستطيعون العثور عليها.
إن فكرة أطلنطس (أو أتلانتيس كما تسمى في اللغات الأوروبية) - شبه الجزيرة القارية "المفقودة" غالبًا ما تكون مثالية كمجتمع مثالي متقدم يمتلك الحكمة التي يمكن أن تجلب السلام العالمي - قد أسرت الحالمين وعلماء السحر والتنجيم وعصر الأجيال الجدد على مدى الأجيال المتعاقبة. الآلاف من الكتب والمجلات والمواقع مخصصة لأتلانتس ، ولا يزال موضوعًا شائعًا. لقد فقد الناس ثرواتهم - وفي بعض الحالات حياتهم - وهم في خضم محاولاتهم للعثور على أتلانتس.
أصل أسطورة أطلنطس
أطْلَنْتِس (باليونانية، ἀτλαντὶς νῆσος) أو أطلانطس أو جزيرة أطلس أو أطلانتس أو أتلاطتس، قارة افتراضية أسطورية لم يثبت وجودها حتى الآن بدليل قاطع، ذكرها أفلاطون في محاورتين مسجلتين له، طيمايوس وكريتياس وتحكي عن ما حدثه جده طولون عن رحلته إلى مصر ولقاءه مع الكهنة هناك وحديثهم عن القارة الأطلسية التي حكمت العالم. ألهمت خيال الكثيرين من الكتاب ومنتجي الأفلام لإنتاج عدد ضخم من منتجات الخيال العلمي التي تدور حول هذا الموضوع.
وقد خلف احتمال وجود أطلنتس مناقشات نشطة طوال العصور القديمة الكلاسيكية، ولكنها كانت ترفض في العادة.
بخلاف العديد من الأساطير التي طمسها الزمان، نحن نعرف بالضبط متى وأين ظهرت قصة أطلانطس لأول مرة. لقد قيلت القصة لأول مرة في اثنتين من حوارات أفلاطون، « طيماوس » و «كريتياس»، كتبت حوالي 330 قبل الميلاد.
على الرغم من أن أطلنطس غالبًا ما يُنظر إليها هذه الأيام على أنها رمز المثالية المليئة بالسلم، فإن الوصف الذي قدمه أفلاطون في حجته كان مختلفًا تمامًا.
يوضح أستاذ علم الآثار كين فيدر Ken Feder في كتابه «موسوعة الآثار المدمرة» Encyclopedia of Dubious Archaeology، أن في قصة أفلاطون، «أطلنطس ليست مكانا ينبغي أن يحتفى به أو يحتذى به على الإطلاق، أطلانطس ليست المجتمع المثالي … بل على العكس، أطلانطس تجسد أمَّة ثرية من الناحية المادية، ومتقدمة تقنيًا، وقوية عسكريًا، أفسدتها ثروتها وتطورها وقدرتها».
كذلك فإن الدعاية في حكاية أفلاطون الأخلاقية، تُبرز التنافس البطولي بين أسطورة أطلانطس و مدينة أثينا أكثر من كونه حديث عن حضارة غارقة.
إذا كانت أطلانطس موجودة اليوم، وكانت سليمة ومأهولة، ربما حاول سكانها قتلنا واستعبادنا جميعًا. ويبدو كذلك أن أفلاطون صنع أسطورة أطلانطس كنموذج خيالي لقصته، لأنه لا يوجد ذكر آخر لها في أي مكان في العالم.
لقد وجدنا العديد من النصوص اليونانية، وبالتالي كان ينبغي أن يرد ذكر هذا المكان الرائع بخلاف أسطورة أفلاطون لكن هذا لم يحدث. ليس هناك ببساطة أي دليل من أي مصدر أن الأساطير حول أطلانطس كانت موجودة قبل أن يكتب أفلاطون عنها.
سبب الشهرة الحديثة لمدينة أطلنطس الأسطورية
يشرح مارك آدمز Mark Adams في كتابه «قابلني في أطلانطس: عبر القارات الثلاث في البحث عن المدينة المفقودة الأسطورية» Meet Me In Atlantis: Across Three Continents in Search of the Legendary Lost City كيف أصبحت الأسطورة اليونانية – التي كانت من قبل مهمشة – معروفة على نطاق واسع.
كان ذلك بسبب رجل من مينيسوتا يدعى إغناتيوس دونيلي Ignatius Donnelly (1831-1901).
كان دونيلي من أعضاء الكونغرس ومؤرخ هاوٍ، ادعى في كتابه «عالم أنتيليفيان» The Antediluevian World عام 1882 أن كل التقدم الكبير في الحضارة والتكنولوجيا يمكن أن يُعزى إلى الجزيرة المفقودة منذ فترة طويلة والتي ذكرها أفلاطون.
لكن دونيلي تجاوز مجرد نشر قصة أفلاطون؛ وأضاف بعض «الحقائق» الخاصة به والأفكار التي أصبحت جزءًا من أسطورة أطلانطس.
كان دونيلي قد أرسل نسخة من كتابه إلى تشارلز داروين، الذي وجد أنه مثير للاهتمام ولكنه غير مقنع – قرأه ثم قالها «بطريقة متشككة ».
شملت هذه الكتابات مدام بلافاتسكي الغامضة (في كتابها عام 1888، «العقيدة السرية»). وإدغار كايس في العشرينيات.
قام كايس بوضع أصولًا مسيحية في قصة أطلانطس، بإعطاء قراءات نفسية لآلاف الناس – وكثير منهم، كما ادعى، قد عاش في أطلانطس. لسوء الحظ، لم يكن من الممكن التحقق من أيٍ من المعلومات، حتى توقُع كايس أن القارة سيتم اكتشافها في عام 1969 كان خطأ.
قارة أطلنطس المفقودة
على الرغم من أصلها الواضح أنها محض خيال، ادعى كثيرٌ من الناس على مر القرون أنه يجب أن يكون هناك بعض الحقيقة وراء الخرافات، كما كانت هناك الكثير من التكهنات حول أين سيتم العثور على أطلانطس.
![]() |
خارطة أثناسيوس كيرشر عن جزيرة اطلنطس في وسط المحيط الأطلسي. من موندوس سوبتيوانيوس في عام 1669. ولقد نشرت هذه الخارطة في أمستردام، والخارطة فيها جهة الجنوب من الأعلى حسب رسم الخرائط العربية |
خبراء أطلانطس أشاروا إلى الكثير من الأماكن التي قد تحوي القارة المفقودة في جميع أنحاء العالم على أساس نفس مجموعة الحقائق.
لقد ألهمت محاولة حل لغز أطلانتس العديد من الدراسات، والبحوث، والكتب، والقصص، والأفلام. فقد أصبحت كلمة «أطلانتس» كلمة متداولة تطلق على جميع الحضارات المفقودة خلال عصور ما قبل التاريخ.
وظل حوار «الطيمايوس» معروفًا في الحضارة اللاتينية خلال العصور الوسطى، وكان علماء الإنسانيات يشبهون أطلانتس بالمدينة الفاضلة في كثير من كتابات عصر النهضة؛ مثل كتاب «يوتوبيا» لتوماس مور (1516)، وكتاب «أطلانتس الجديدة» لفرانسيس باكون (1624). تخيل مور أرضًا خيالية في العالم الجديد، مما يشكل حلقة وصل بين الأميركتين والمجتمعات الفاضلة. وتم ترسيخ هذه الصورة من خلال كتاب فرانسيس باكون؛ حيث تخيل مجتمعًا فاضلاً أطلق عليه اسم "بن سالم" يقع على الساحل الغربي لأمريكا.
قال أحد العلماء إنه ربما يكون قد اكتشف بقايا مدينة أطلانطس المفقودة. حيث كشفت صور الأقمار الصناعية التي تم التقاطها لجنوب إسبانيا عن إن الأرض هناك تطابق الوصف الذي كتبه أفلاطون في مدينته الفاضلة.
ويعتقد دكتور راينر كويهن من جامعة أوبرتال الألمانية أن "جزيرة" أطلانطس تشير إلى جزء من الساحل في جنوب إسبانيا تعرض للدمار نتيجة للفيضانات بين عامي 800 و500 قبل الميلاد.
وتبين الصور للمنطقة المحلية المعروفة باسم ماريزما دو هينوخس بالقرب من مدينة كاديز بنائين مستطيلين في الطين وأجزاء من حلقات ربما كانت تحيط بهما في السابق.
وقال دكتور راينر: "كتب أفلاطون عن جزيرة تحيط بها أبنية دائرية، بعضها من الطين والبعض الأخر من الماء. وما تظهره الصور هو نفس ما وصفه أفلاطون".
ويعتقد دكتور راينر إن الأبنية المستطيلة ربما تكون بقايا المعبد "الفضي" المخصص لإله البحر بوسيدون والمعبد "الذهبي" المخصص لبوسيدون وكيليتو كما جاء في كتاب أفلاطون.
يقول دكتور راينر إن هناك تفسيرين لكبر حجم الجزيرة والحلقات المحيطة بها عما جاء في كتاب أفلاطون.
الاحتمال الأول هو تقليل أفلاطون لحجم أطلانطس والثاني هو أن وحدة القياس التي كانت مستخدمة زمن أفلاطون كان أكبر 20% من المقاييس الحالية.
وإذا كان الاحتمال الثاني هو الصحيح، فإن أحد المستطيلين الموجودين في "الجزيرة" يطابق تمام المقاييس التي ذكرها أفلاطون لمعبد بوسيدون.
وكان أول من انتبه لهذه الصور هو فيرنر فيكبولت، وهو يعمل كمحاضر وأحد المهتمين بأطلنتس، وقام بدراسة صور لكل البحر المتوسط بحثاً عن أي علامة على المدينة التي وصفها أفلاطون.
بعض الدلائل التي تشير إلى وجودها في أعماق المحيط الأطلسي:
- الخرائط التي درسها البحار الشهير (كولومبس) قبل اكتشافه لأمريكا كانت تحتوي على رسم لجزيرة كبيرة غير موجودة في الوقت الحالي يعتقد العلماء أنها أطلنطس نفسها.
- عثر الباحثون على سور يصل طوله إلى 120 كيلومتراً في أعماق المحيط الأطلسي ولا يُعرف حتى الآن إن كان بقايا القارة المفقودة.
- تيار الماء المعروف باسم (تيار الخليج) النابع من القارة الأمريكية والمتجه لقارة أوروبا يتفرع إلى جزأين في منتصف المحيط الأطلسي وكأنه يلتف على الأرض! يعتقد العلماء أن هذا التفرع سببه وجود قارة أطلنطس قديماً.
وفي مصادر اخرى ذُكر ان الأماكن التي تم اقتراحها – كلٌ يستند إلى مجموعات خاصة من الأدلة والحجج – تشمل المحيط الأطلسي، والقارة القطبية الجنوبية، وبوليفيا، وتركيا، وألمانيا، ومالطا ومنطقة البحر الكاريبي.
شرح أفلاطون مكان أطلانطس بوضوح: «محيط قابل للملاحة؛ أمام الفم الذي يعرفه اليونانيون، كما يقال، « أركان هرقل» هناك جزيرة كانت أكبر من ليبيا وآسيا معًا».
بعبارة أخرى تقع في المحيط الأطلسي خارج «أركان هرقل» (أي مضيق جبل طارق، عند مصب البحر الأبيض المتوسط).
ومع ذلك لم يتم العثور عليها في المحيط الأطلسي، أو في أي مكان آخر.
الطريقة الوحيدة لإزالة الغموض عن أطلانطس (بافتراض أنها كانت فعلًا مكان حقيقي) هو تجاهل كل الأساطير التي تصنع منها نموذجًا أخلاقيًا لقصة أفلاطون، سواء كان هذا خطأ أو ادعاء.
حتى مع إغفال وصف أفلاطون عن موقعها سيجعل أي موقع مقترح يمكن أن يكون ملائمًا لها.
ومع ذلك، لاحظ الكاتب ل. سبراغ دي كامب L. Sprague de Camp في كتابه «القارات المفقودة» Lost Continents ، «لا يمكنك تغيير كل تفاصيل قصة أفلاطون، ثم تدَّعي أنك تتبع قصة أفلاطون، هذا مثل القول بأن الملك الأسطوري آرثر هو كليوباترا كل ما عليك هو تغيير جنس كليوباترا وجنسيتها وفترة حكمها ومزاجها وطابعها الأخلاقي وتفاصيل أخرى، ثم تدعي أن التشابه واضح».
![]() |
تمثال أفلاطون في أكاديمية أثينا ، اليونان (مصدر الصورة: Anastasios71 shutterstock ) |
وأوضح الدليل على أن أطلانطس أسطورة : هي أنه لم يتم العثور على أي أثر لها على الرغم من التقدم في علم المحيطات ورسم خرائط قاع المحيطات في العقود الماضية.
مع تزحزح القارات، اتسع قاع المحيط بمرور الوقت.
لن يكون ثمة مكان ببساطة لإغراق أطلانطس. وكما لاحظ كين فيدر Ken Feder: «الجيولوجيا واضحة، لم يكن هناك سطح أرضي كبير غرق في المنطقة التي يضع فيها أفلاطون أطلانطس، الآثار الحديثة والجيولوجيا تقدم حكمًا لا لبس فيه: لم تكن هناك قارة أطلسية، أو حضارة عظيمة تسمّى أطلانطس».
كان إغناتيوس دونيلي متأكدًا من نظريته، متنبئًا بأن البرهان القاطع على وجود المدينة الغارقة سيظهر قريبًا، وأن المتاحف في جميع أنحاء العالم ستملأ يومًا ما بالقطع الأثرية. مر أكثر من 130 عامًا دون أثر للأدلة.
تم الاحتفاظ بأسطورة أطلانطس حيةٌ على مدى الأزمان ، يُغذيها خيال الجمهور وسحر الفكرة الخفية عن المثالية. لكن «مدينة أطلانطس المفقودة» لم تُفقد أبدًا. هي حيث كانت دائمًا: في كتب أفلاطون.
المصادر:
- 'Lost' City of Atlantis: Fact & Fable, By Benjamin Radford published March 01, 2018 published at livescience.com
- BBC Arabic.
- خالد حامد العرفي - قارة أطلانطس المفقودة (حلم البشرية الضائع) - الطبعة الاولى 1998 .
- ↑ "Atlantis", www.encyclopedia.com, Retrieved 15-6-2018. Edited.
- ↑ DAILY MAIL REPORTER , "Has the real lost city of Atlantis finally been found... buried under mud flats in Spain?"، http://www.dailymail.co.uk, Retrieved 15-6-2018. Edited.
- ↑ JULY 12, 2017 (BRANDON ROH), "0 Things You Probably Don’t Know About The Lost City Of Atlantis"، listverse.com, Retrieved 15-6-2018. Edited.
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق
شاركنا بتعليقك ، مع مراعاة :
- أحترام الآداب العامة وأحترام الرأي الآخر
- عدم الأساءة الى أي جهة سواء كانت دينية أو سياسية
- عدم مشاركة الروابط والأعلانات منعاً باتاً