الذكاء الإصطناعي يحقق تفوقاً ملحوظاً ويكتشف الفيزياء البديلة
محمد البابلي
أغسطس 23, 2022
الذكاء الاصطناعي يعتبر من أفضل التقنيات المنتشرة في الوقت الحالي، حيث تعمل الشركات على الاستعانة بها داخل الانظمة الخاصة بها، حيث توفر الحماية الكاملة للأنظمة بالإضافة إلى القدرة الكبيرة على تحليل البيانات الخاصة بالشركات.
لم يقتصر الذكاء الاصطناعي على الشركات ولكن تدخل في الكثير من المجالات المختلفة مثل مجال الزراعة والطب والتجارة والكثير من المجالات الأخرى، حيث تم إنشاء بعض المعدات التي تساعد على الكشف عن الضرر المتوقع للمحاصيل وكيفية التخلص من هذه الأضرار بعناية وذلك للحصول على محاصيل زراعية جيدة.
كما تدخل الذكاء الاصطناعي في التجارة وتم إنشاء العديد من البرامج التي تساعد الشركات على الكشف على نية المستخدم، ومدى التفاعل مع المنتجات المعروضة عليه، حيث يتم استخدام الذكاء الاصطناعي في تحليل وجه المستخدمين وغيرها من تعابير الجسد.
هذا الأمر ساعد الشركات على زيادة المبيعات الخاصة بهم، كما قامت بعض الشركات في صناعة المعدات التي تعمل بتقنية الذكاء الاصطناعي والتي ساعدت الشركات على الحصول على منتجات تم تصنيعها بجودة عالية بالإضافة إلى وقت أقل.
من المجالات التي تطرق إليها الذكاء الاصطناعي هو المجال الطبي، حيث تم إنتاج الكثير من الأجهزة التي تساعد على اكتشاف الأمراض، مثل مرض السرطان وغيرها، كما تمكن الذكاء الاصطناعي من الكشف عن الأمراض التي قد تصيب الإنسان في المستقبل مثل مرض الزهايمر.
الان عمل الذكاء الاصطناعي على اكتشاف الفيزياء البديلة، حيث تم استخدام الذكاء الاصطناعي للكشف عن متغيرات الظواهر الفيزيائية والتي تكون غير متوقعة، ونجح الذكاء الاصطناعي في اكتشاف قوانين فيزيائية تساعد على حل بعض التعقيدات الفيزيائية بسهولة.
حيث اكتشف مؤخرا برنامج جديد من نوع الذكاء الاصطناعي، طوّره باحثون من جامعة كولومبيا، فيزياء بديلة خاصة به.
بعد عرض فيديوهات لظواهر فيزيائية على كوكب الأرض، لم يكتشف الذكاء الاصطناعي مجدداً المتغيرات التي نستعملها راهناً، بل إنه ابتكر متغيرات جديدة لتفسير ما يشاهده.
لا يعني ذلك أن الفيزياء التي نعرفها اليوم شائبة أو ثمة نموذج أفضل لتفسير العالم من حولنا (سبق وأثبتت قوانين أينشتاين قوتها الفائقة). لكن لم تظهر تلك القوانين إلا بفضل استنادها إلى "لغة" مبنية على نظريات ومبادئ رسّختها قرون طويلة من التقاليد.
لاحظ برنامج ذكاء صناعي جديد ظواهر فيزيائية ومتغيرات ذات صلة؛ وهي مقدمة ضرورية لأي نظرية فيزيائية. لكن المتغيرات التي اكتشفها كانت غير متوقعة، وذلك حسبما نشر موقع «eurekalert» العلمي المتخصص.
إذ تشكل هذه المتغيرات الثلاثة (الطاقة والكتلة والسرعة) معادلة آينشتاين الأيقونية «E = MC2». لكن كيف عرف آينشتاين هذه المفاهيم في المقام الأول؟ فالخطوة التمهيدية لفهم الفيزياء هي تحديد المتغيرات ذات الصلة. وبدون مفهوم الطاقة والكتلة والسرعة، لا يستطيع حتى آينشتاين اكتشاف النسبية. ولكن هل يمكن اكتشاف مثل هذه المتغيرات تلقائيًا؟ يمكن أن يؤدي القيام بذلك إلى تسريع الاكتشاف العلمي بشكل كبير.
هذا هو السؤال الذي طرحه الباحثون بجامعة كولومبيا للهندسة على برنامج ذكاء صناعي جديد. حيث تم تصميم البرنامج لمراقبة الظواهر الفيزيائية من خلال كاميرا فيديو، ثم محاولة البحث عن الحد الأدنى من مجموعة المتغيرات الأساسية التي تصف الديناميكيات المرصودة بشكل كامل.
وقد نُشرت هذه الدراسة الجديدة في مجلة «Nature Computational Science».
ووفق الموقع، بدأ الباحثون بتغذية النظام لقطات فيديو خام للظواهر التي يعرفون الإجابة عنها بالفعل؛ على سبيل المثال، قاموا بتغذية شريط فيديو لبندول مزدوج يتأرجح معروف بأنه يحتوي بالضبط على أربعة «متغيرات حالة» (الزاوية والسرعة الزاوية لكل من الذراعين). وبعد بضع ساعات من التحليل، خرج الذكاء الصناعي بالإجابة: 4.7.
وفي ذلك يقول هود ليبسون مدير مختبر الآلات الإبداعية بقسم الهندسة الميكانيكية حيث تم العمل في المقام الأول «اعتقدنا أن هذه الإجابة كانت قريبة بما يكفي... خاصة وأن كل ما يمكن للذكاء الصناعي الوصول إليه كان لقطات فيديو خام، دون أي معرفة بالفيزياء أو الهندسة. لكننا أردنا أن نعرف ما هي المتغيرات في الواقع، وليس فقط عددها».
ثم شرع الباحثون في تصور المتغيرات الفعلية التي حددها البرنامج. لم يكن استخراج المتغيرات نفسها أمرًا سهلاً؛ حيث لا يستطيع البرنامج وصفها بأي طريقة بديهية يمكن فهمها للبشر. وبعد بعض الاستقصاء، اتضح أن اثنين من المتغيرات التي اختارها البرنامج تتوافق بشكل فضفاض مع زوايا الذراعين، لكن المتغيرين الآخرين لا يزالان لغزا. وفي هذا الاطار، أوضح الدكتور بويان تشين الأستاذ المساعد بجامعة ديوك الذي قاد العمل «لقد حاولنا ربط المتغيرات الأخرى بأي شيء وكل شيء يمكن أن نفكر فيه: السرعات الزاوية والخطية، والطاقة الحركية والمحتملة، ومجموعات مختلفة من الكميات المعروفة... لكن يبدو أنه لا يوجد شيء يتطابق تمامًا... كان الفريق واثقًا من أن الذكاء الصناعي قد وجد مجموعة صالحة من أربعة متغيرات، لأنه كان يقدم تنبؤات جيدة... لكننا لم نفهم بعد اللغة الرياضية التي يتحدث بها».
وبعد التقصي والدراسة يعتقد الباحثون أن هذا النوع من الذكاء الصناعي يمكن أن يساعد العلماء في الكشف عن الظواهر المعقدة التي لا يواكب الفهم النظري لها الكم الهائل من البيانات كمجالات تتراوح من علم الأحياء إلى علم الكونيات، وفق ما يقول الدكتور كيونج هيونج؛ الذي شارك في تأليف الورقة البحثية، قائلا «بينما استخدمنا بيانات الفيديو في هذا العمل، يمكن استخدام أي نوع من مصادر بيانات المصفوفات (مصفوفات الرادار أو مصفوفات الحمض النووي) على سبيل المثال».
إذا حصلنا على جدول زمني بديل حيث تعالج عقول أخرى المشاكل نفسها من وجهة نظر مختلفة بعض الشيء، هل سنتابع مقاربة الآليات التي تفسّر الكون بالطريقة نفسها؟
رغم ظهور تكنولوجيا جديدة لتصوير الثقوب السوداء ورصد عوالم غريبة وبعيدة، صمدت تلك القوانين مراراً وتكراراً (ملاحظة: ميكانيكا الكم مسألة مختلفة بالكامل. لنكتفِ بمناقشة العالم المرئي في هذه السطور).
اكتفى الذكاء الاصطناعي الجديد برؤية الفيديوات التي تعرض مجموعة صغيرة من الظواهر الفيزيائية، ما يعني أنه ليس مخوّلاً ابتكار فيزياء جديدة لتفسير الكون أو محاولة التفوّق على أينشتاين. كان هدف التجربة مختلفاً.
يقول عالِم الروبوتات، هود ليبسون، من "مختبر الآلات الإبداعية" في كولومبيا: "لطالما تساءلتُ: إذا قابلنا يوماً جنساً فضائياً ذكياً، هل سيكتشف القوانين الفيزيائية التي نعرفها أم أنه سيَصِف الكون بطريقة مختلفة؟ خلال التجارب، كان عدد المتغيرات مشابهاً عند إعادة تشغيل الذكاء الاصطناعي دوماً، لكن بدت متغيرات محددة مختلفة في كل مرة. بعبارة أخرى، ثمة طرق بديلة لوصف الكون وقد لا تكون خياراتنا مثالية".
على صعيد آخر، أراد الباحثون أن يعرفوا مدى قدرة الذكاء الاصطناعي على إيجاد متغيرات مختلفة، ما يعني تسهيل شرح الظواهر الجديدة والمعقدة التي بدأت تظهر في سيل البيانات الراهنة لكننا لا نفهمها نظرياً حتى الآن لمواكبة تطورها.
تُلمِح البيانات الجديدة المشتقة من تجارب عملاقة، مثل "مصادم الهدرونات الكبير"، إلى ظهور فيزياء جديدة. في هذا السياق، يتساءل عالِم الرياضيات، تشانغ دو: "ما هي القوانين الأخرى التي نغفل عنها لمجرّد أننا نفتقر إلى المتغيرات اللازمة"؟
كيف يستطيع الذكاء الاصطناعي إذاً أن يكتشف فيزياء جديدة؟ في المقام الأول، أدخل الباحثون إلى النظام لقطات فيديو غير مُعدّلة عن ظواهر يفهمونها وطرحوا سؤالاً بسيطاً على البرنامج: ما هو الحد الأدنى من المتغيرات الأساسية التي نحتاج إليها لوصف ما يحصل؟
عرض الفيديو الأول بندولاً مزدوجاً متأرجحاً ومعروفاً باحتوائه على أربعة متغيرات حالة: زاوية كل بندول، وسرعة الزاوية الخاصة بكل واحد منهما.
فكّر الذكاء الاصطناعي بهذا المشهد والسؤال المرتبط به لبضع ساعات ثم أعطى الجواب التالي: هذه الظاهرة تتطلب 4.7 متغيرات لتفسيرها. إنه رقم قريب بما يكفي من المتغيرات الأربعة التي نعرفها، لكنه لا يفسّر رأي الذكاء الاصطناعي بتلك المتغيرات.
حاول الباحثون لاحقاً مطابقة المتغيرات المعروفة مع تلك التي اختارها الذكاء الاصطناعي. تَطابق اثنان منها مع زوايا الأذرع بدرجة معينة، لكن بقي المتغيران الآخران غامضَين. مع ذلك، تمكّن الذكاء الاصطناعي من طرح توقعات دقيقة حول خطوة النظام اللاحقة، فاستنتج العلماء حينها أن الذكاء الاصطناعي رصد ظاهرة لا يستوعبونها بعد.
يقول المشرف الرئيسي على التجربة، بويان تشين، وهو باحث في مجال البرمجيات وأستاذ مساعِد في جامعة "ديوك": "حاولنا أن نربط بين المتغيرات الأخرى وكل ما نستطيع التفكير به: سرعة الزوايا والخطوط، والطاقة الحركية والمحتملة، وتركيبات متنوعة من الكميات المعروفة. لكننا لم نتوصل إلى أي تطابق مثالي... نحن لا نفهم بعد اللغة الرياضية التي يتكلمها النظام". ثم عرض الباحثون الفيديوات الأخرى على الذكاء الاصطناعي. شمل الفيديو الأول ذراعاً متموجة و"راقصة في الهواء" (قال الذكاء الاصطناعي إنه يشمل ثمانية متغيرات). كذلك، أنتجت لقطات مصباح لافا ثمانة متغيرات، وعاد مقطع فيديو للنيران مع 24 متغيراً. كانت المتغيرات فريدة من نوعها في كل مرة.
يكتب الباحثون في تقريرهم: "يكتشف نظام الحلول الحسابية الخاص بنا البُعد الأساسي للديناميات المرصودة، من دون أن يعرف شيئاً عن المعطيات الفيزيائية الكامنة، وهو يُحدّد مجموعات مُرشّحة من متغيرات الحالة".
بعبارة أخرى، قد يساعدنا الذكاء الاصطناعي مستقبلاً على تحديد المتغيرات الكامنة وراء مفاهيم جديدة لا ندركها في الوقت الراهن.
نُشرت نتائج البحث في مجلة "علوم الطبيعة الحسابية".
يكفي أن نفتح أي كتاب فيزياء كي نجد فيه صِيَغاً متلاحقة لوصف طريقة تمايل الأجسام، وتحليقها، وانحرافها، وتوقفها. تَصِف هذه الصِيَغ العمليات التي نستطيع رؤيتها، لكن تكمن مجموعات متنوعة من العوامل التي يصعب رصدها فوراً وراء كل عملية منها.
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق
شاركنا بتعليقك ، مع مراعاة :
- أحترام الآداب العامة وأحترام الرأي الآخر
- عدم الأساءة الى أي جهة سواء كانت دينية أو سياسية
- عدم مشاركة الروابط والأعلانات منعاً باتاً