-->

سلسلة مكونات الكون المذهلة (2) جدار هيركوليس - كورونا الشمالي العظيم

صورة من مرصد هابل الفضائي للعنقود المجري الهائل MACS J0717.5+3745 وذلك باستخدام مزيج من 18 صورة ونظرا لضخامة المادة المظلمة في هذه المجموعة، كما هو موضح باللون الأزرق الفاتح، قد يكون مشابة لجدار الجاثي-الإكليل الشمالي القطبي العظيم
المصدر : مرصد هابل الفضائي


 

         الكون ليس أغرب مِما نعتقد فحسب، بل هو أغرب مما يمكننا أن نعتقده .. فيرنر هايزنبيرغ

لا شيء أكبر وأغرب من الكون! فالكون يبدو لا نهائياً، غير معلوم الهيئة، ولا توجد له حدود حقيقية، ولا يمكن معرفة موقع نقطة بدايته، ولا نقطة نهايته. فنحن نعيش في هذا العالم الصغير على كوكب الأرض داخل ما يشبه «شرنقة» كونية غير معلومة الهيئة داخلها وخارجها، لكننا وخلال فترات متلاحقة استطعنا أن نتعرف على بعض الأجزاء الصغيرة جداً داخلها، والتي تعتبر نقطة -أو أقل من ذلك- في بحر هذا الكون الفسيح.

بعض هذه الأجزاء موجودة في هيئاتٍ تُشكّلها النجوم، والانفجارات الكونية، وحبّات الغبار الكوني المُتراكمة، والمجرّات، وغيرها من الأسرار الكونية التي لم تكتشف بعد، فمادة الكون نفسه غير معلومة التركيب.

لكن يظل سحر الكون يأخذنا لأبعد من ذلك، وأبعد من عد النجوم ليلاً، أو مراقبة بعض الكواكب التي تظهر في فجر أيام محددة، يأخذنا هذا السحر للمكونات المذهلة للكون التي تتشكل فيه دائماً وباستمرار من النجوم فحسب ، ستكون هذه السلسلة مكرسة لشرح مكونات الكون الهائلة وهي كالتالي ( تستطيع الضغط على أسم كل منها للأنتقال لموضوعها ) :

ملاحظة: ستكون الروابط مفعلة وجاهزة فور نزول مواضيع السلسلة تباعاً.

  1. الشبكة الكونية The Cosmic Web 
  2. جدار هيركوليس - كورونا الشمالي العظيم The Hercules – Corona Borealis Great Wall ( وهي ما سنشرحه في هذا الموضوع )
  3. انفجارات أشعة جاما الدائرية – GRB
  4. مجموعة الكوازارات الهائلة في الكون – The Huge-LQG
  5. عناقيد المجرات الداخلية – Laniakea Supercluster
  6. الجدار العظيم في الكون –CfA2 Great Wall
  7. عناقيد المجرات أو تركيزات شابلي – The Shapely Supercluster
  8. الفقاعات الكونية حديثة الاكتشاف – The Newfound Blob
  9. الفراغ الكبير في الكون – The Supervoid
وربما هذه القائمة هي ليست الوحيدة والأكيدة التي تستعرض الهياكل العملاقة في الكون، فنحن نسير بتسارعٍ كبير نحو المجهول وفقاً لسريان الكون. وأثناء سيرنا هذا، تحدث مليارات العمليات الكونية الخفيّة، والتي من خلالها سنعثر على المزيد من الهياكل الكونية  المختلفة لاحقاً، أو ربما سنعثر على شيء آخر غير معهود، أوربما سيدركنا الأمر قبل ذلك!
الكون عبارة عن أرض قاحلة كبيرة ، تتكون في الغالب من مساحات غريبة وفارغة. لكن على الرغم من كل المساحات الفارغة ، هناك مناطق تحتوي على هياكلٍ ضخمة. على سبيل المثال ، شمسنا هي مجموعة ضخمة من الغبار والغاز. ولكن هناك أشياء أكبر من شمسنا ، مثل السدم الكوكبية ، والمجرات ، وحتى عناقيد المجرات الكاملة.
لكن ياترى أي هيكل يطغى على جميع الهياكل الأخرى بحجمه؟ اتضح أنه شيء غامض ، شيء يتحدى قوانين الفيزياء.
أنه جدار هيركوليس - كورونا الشمالي العظيم أو مايسمى  جدار هرقل - كورونا القطبي العظيم (بالإنكليزيةHercules–Corona Borealis Great Wall)‏ أو ما يسمى في بعض المصادر جدار إنفجار أشعة غاما العظيم ( بالأنكليزية: Great Gamma-Ray Burst Wall (GRB Wall) ) والذي يعتبر أكبر بنية في الكون تم اكتشافها من قبل البشر, حيث يبلغ طول هذا الجدار 10 مليارات سنة ضوئية و عرضه حوالي 7,2 مليار سنة ضوئية و ثخانته حوالي 1 مليار سنة ضوئية. تم اكتشاف هذا الجسم العظيم سنة 2013 عن طريق دراسة أشعة غاما الكونية, حيث لاحظ العلماء تركزا لهذه الأشعة بين كوكبتي هرقل و كورونا, فافترضوا وجود هيكل عملاق و بعد قياس أبعاده, أعلنوا أنه أضخم شيء أتيحت لهم ملاحظته. أنه بحق يعتبر الأسطورة الكونية الهائلة التي حيرت وما زالت تحير علماء الفلك في كل مكان.

انفجارات أشعة غاما - والتي سنتحدث عنها بشيء من التفصيل في المقالة القادمة من سلسلة ( الهياكل الكونية العظيمة ) - هي أحداث كونية نادرة جدا, تحدث كل بضعة ملايين من السنين في مجرة معينة. منذ سنة 1997 و حتى سنة 2012, درس العلماء هذه الانفجارات بمساعدة الأقمار الاصطناعية الروبوتية, و تمكنوا, عن طريق ذلك, من وضع خريطة أكثر تفصيلا للكون. و عند دراسة تلك الخريطة, لاحظوا شيءا مثيرا للاهتمام:14 انفجارا لأشعة غاما قريبة جدا من بعضها, مما يعني أن هناك تركزا كبيرا للمادة في تلك المنطقة, و بعد قياس أبعاد هذا الجسم, وجدوا أن قطره 10 ملايين سنة ضوئية, و بالتالي أعلنوا, في سنة 2013, أنهم اكتشفوا تجمعا مجريا هائلا جدا قد يكون أكبر ما توصل الإنسان إلى رؤيته.

يقع جدار هرقل-كورونا القطبي العظيم بين مجموعتي هرقل و الإكليل الشمالي, و يتكون من مئات الآلاف من المجرات, و من تريليونات التريليونات من النجوم, كلها مجتمعة في تشكيل واحد مترابط عن طريق قوى الجاذبية و المادة السوداء. و لتخيل حجم هذا الجدار, فإن طوله يساوي 100000 مرة قطر مجرة درب التبانة.

نظرًا لأن مثل هذا الجدار بعيد جدًا ، فمن الصعب للغاية تحديده بدقة. ومع ذلك ، تتراوح التقديرات الأولية لحجمها من حوالي 5.4 مليار سنة ضوئية (حجم لا يمكن تصوره) إلى ما يصل إلى 18 مليار سنة ضوئية (حجم ملحمي). إذا كان من الصعب عليك تخيل مثل هذا المبنى ، فتخيل مدى صعوبة العلماء لمعرفة كيف نشأ. اللغز في جدار GRB هو أنه أكبر من أن يوجد. إنه أكبر بكثير من أن يكون من بقايا الانفجار العظيم أو نتيجة كتلة اندمجت.

علق جون هاكيلا ، أحد مؤلفي الورقة وأستاذ في جامعة تشارلستون ، في مقابلة مع IFLScience على حدوث مثل هذه الهياكل: "اتضح أن النماذج النظرية لمثل هذه الهياكل تتطابق مع ما لاحظناه حتى الآن . "

والأكثر إثارة للدهشة أن الجدار كان يبدو أنه ينمو. "نحن نكتشف باستمرار GRBs جديدة ، مما يعني أن حجم هيكله المهول يتزايد ببطء."

تناقضات تثير الجدل بين علماء الفلك

مع أستمرار الدراسات المستفيضة حول جدار هرقل - كورونا القطبي العظيم ، ودراسة خصائصه ومكوناته ، أصطدم العلماء ببعض النظريات الفلكية التي يتناقض وجود مثل ها الجدار مع مفهومها ، وأبرز هذه التناقضات كانت مع نظرية المبدأ الكوني للعالم الفذ ألبرت آينشاتين ونظرية تطور الكون من الأنفجار العظيم.

التناقض مع النظرية الفلكية

تقول نظرية المبدإ الكوني المفترضة من طرق ألبرت أينشتاين, أن «الكون تقريبا كله متشابه, مما يعني أن أي جسمين في الكون سيكونان متشابهين جدا, و لو كانا بعيدين جدا عن بعضهما, بشرط أن يكونا أكبر من 250 إلى 300 مليون سنة ضوئية». تدل الفرضية على أن أكبر جسم في الكون يجب ألا يتجاوز حجمه 1.2 مليار سنة ضوئية. المدهش أن جدار هرقل أكبر ب8 مرات من الحد.

التناقض مع نظريات تطور الكون

يبعد جدار هرقل-كورونا القطبي العظيم عن الأرض ب10 مليارات سنة ضوئية, ما يعني أن ضوءه يصلنا بعد 10 مليارات سنة, و حيث أن طول الجدار 10 مليارات سنة ضوئية, فإن العلماء صاروا يقولون أن 13.8 مليار سنة و هي «عمر الكون لا يكفي تكون هذا الجدار العظيم». هذا يضع العلماء في مشكلة لم يتمكن أحد -و لا مكتشف الجدار- من تفسيره, مما جعل البعض يثيرون الشكوك بوجود هذا الجدار العظيم ، أو على الأقل يشككون بهذا الحجم المهول.

توضيح لبعض المصطلحات:

فرسخ فلكي
الفرسخ الفلكي (بالإنجليزية: Parsec)‏ هي وحدة مسافة يستعملها الفلكيون لقياس المسافات الكبيرة للأجرام الفلكية خارج النظام الشمسي. 1 فرسخ فلكي يساوي زاوية تزيح ثانية قواسية واحدة (1/3600 درجة).، وهي تساوي 3,26 سنة ضوئية (31 تريليون كيلومتر أو 19 تريليون ميل).
أشعة غاما
أشعة غاما هي أشعةٌ كَهْرُومِغْنَاطِيسِيةٍ، تم اكتشافها سنة 1900 على يد العالم الفرنسي فيلارد. يرمز لها بـ γ ، وهي أشد طاقة من أشعة إكس؛ تقدر طاقاتها بين 1 مليون إلكترون فولت و 14 مليون إلكترون فولت ، بينما طاقة أشعة إكس بين 50 كيلو إلكترون فولت و نحو 500 كيلو إلكترون فولت.
مقراب هابل الفضائي
مِقْرَابُ هَابل الفَضَائي أو مَرصَدُ هَابل الفَضَائي أو تِلسكوب هابل الفضائي (بالإنجليزية: Hubble Space Telescope ويُدعى اختصاراً HST)‏ هو مرصدٌ فضائي يدُورُ حول الأرض، وقد أمدَّ الفلكيين بأوضح وأفضل رُؤية للكون على الإطلاق بعد طُول مُعاناتهم من المقاريب الأرضيَّة التي تقفُ في طريق وضوح رُؤيتها الكثير من العوائق سواء جوُّ الأرض المليء بالأتربة والغُبار أم المُؤثرات البصريَّة الخادعة لجوِّ الأرض والتي تُؤثِّر في دقَّة النتائج. سُمِّي المقراب على اسم العالم الفلكي إدوين هابل.
إنفجار أشعة جاما (GRB)  Gamma-Ray Burst
هو انفجار فائق الطاقة لإشعاع غاما - وهو أكبر حدث كهرومغناطيسي في الكون. يُعتقد أن أصل انفجار أشعة جاما مرتبط بموت النجوم في المجرات البعيدة. بالنسبة للعلماء ، تمثل GRBs منارات ، أو علامة على أن المنطقة مليئة بالغبار والطاقة.

المصادر:
  1. ^ "Redshift-distance relation"، مؤرشف من الأصل في 29 مارس 2016.
  2.  Horvath I.؛ Hakkila J.؛ Bagoly Z. (2013)، "The largest structure of the Universe, defined by Gamma-Ray Bursts"، 7th Huntsville Gamma-Ray Burst Symposium, GRB 2013: paper 33 in 
  3. eConf Proceedings C1304143، 1311: 1104، arXiv:1311.1104، Bibcode:2013arXiv1311.1104H.
  4. https://astronomija.mk/najgolemata-poznata-struktura-vo-univerzumot/
  5. IFL Science
TAG

ليست هناك تعليقات

إرسال تعليق

شاركنا بتعليقك ، مع مراعاة :
- أحترام الآداب العامة وأحترام الرأي الآخر
- عدم الأساءة الى أي جهة سواء كانت دينية أو سياسية
- عدم مشاركة الروابط والأعلانات منعاً باتاً

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *