-->

قادم وبقوة من أجل فك أكثر ألغاز الكون غموضاً ، تليسكوب إقليدس بداية ناجحة وإنتظار مشوق

مِرصَد أو تلسكوب «إقليدس» Euclid Telescope هو تلسكوب فضائي لرصد الطيف المحصور بين الضوء المرئي والأشعة تحت الحمراء القريبة، تم اطلاقه من قبل وكالة الفضاء الأوروبية (إيسا) واتحاد إقليدس بالتعاون مع وكالة الفضاء الأمريكية ناسا ( NASA ). هدف مهمة إقليدس هو فهم الطاقة المظلمة والمادة المظلمة بشكل أفضل من خلال قياس تسارع الكون بدقة. لتحقيق ذلك، سيقيس هذا التلسكوب من نوع «كورش» أشكال المجرات الواقعة على مسافات مختلفة من الأرض ليدرس العلاقة بين المسافة وتاثير الانزياح الأحمر. تُقبل الطاقة المظلمة بشكل عام باعتباها سبب زيادة تسارع الكون المتوسع، لذا فإن فهم هذه العلاقة سيساعد الفيزيائيين والفيزيائيين الفلكيين على تحسين فهمهم لها. تدعم مهمة إقليدس وتكمل مهمة تلسكوب «بلانك» التابع لوكالة الفضاء الأوروبية. سميت المهمة نسبةً لعالم الرياضيات اليوناني القديم «إقليدس الإسكندري».

إقليدس هي مهمة من الفئة المتوسطة (الفئة إم)  وهي جزء من حملة الرؤية الكونية لبرنامج العلوم التابع لوكالة الفضاء الأوروبية. تتمتع هذه الفئة بسقف ميزانية يبلغ نحو 500 مليون يورو. اختُيرت مهمة إقليدس في أكتوبر 2011 مع مهمة المتتبع الشمسي، من بين العديد من المهام المتنافسة. من المقرر أن تُطلق المهمة في منتصف عام 2022.



الأهداف والأساليب العلمية

كشفت التجارب السابقة أن الطاقة المظلمة تمثل حوالي 70 في المئة من كل الطاقة في الكون، بينما تنقسم الـ 30 في المئة المتبقية بين 25 في المئة تمثلها المادة المظلمة، و5 في المئة تمثلها النجوم، والغاز، والغبار، والكواكب، وحتى نحن البشر، من هذا الكون.

إذا هناك 95 في المئة من هذا الكون تمثله مواد غامضة هي الطاقة المظلمة والمادة المظلمة، ولتفكيك طبيعة هذه المواد الغامضة، سيقوم إقليدس بعمل مسح من شقين للكون على مدار ست سنوات.

ستكون المهمة الرئيسية الأولى رسم خريطة لتوزيع المادة المظلمة، وهي المادة التي لا يمكن اكتشافها مباشرة ولكن يعرف علماء الفلك وجودها بسبب تأثير جاذبيتها التي يمكننا رؤيتها على المادة.

المجرات، على سبيل المثال، لا يمكن أن تحافظ على شكلها لولا وجود بعض الدعامات الخارجية "السقالات" الإضافية. من المفترض أن تكون هذه السقالات هي مادة مظلمة، أيا كان ذلك.

على الرغم من أن هذه المادة لا يمكن رؤيتها بشكل مباشر، إلا أن التليسكوب يمكنه رسم خريطة توزيعها من خلال البحث عن الطريقة الدقيقة التي تؤثر بها كتلة هذه المادة على الضوء القادم من المجرات البعيدة.

واشتهر تليسكوب هابل الفضائي بأنه أول من استخدم هذه الطريقة لتحديد المادة السوداء في بقعة صغيرة في السماء، كانت تمثل فقط درجتين مربعتين.

لكن تليسكوب إقليدس سوف يقوم بنفس مهمة هابل لكن عبر مسافة تصل إلى 15000 درجة مربعة من السماء، ما يزيد قليلاً عن ثلث السماء.

سيكون محور كل هذا كاميرا الرؤية الرئيسية VIS في التليسكوب، التي تم تطويرها في بريطانيا.

وقال البروفيسور مارك كروبر، من مختبر مولارد لعلوم الفضاء بجامعة كاليفورنيا في لوس أنجليس: "الصور التي ستنتجها (هذه الكاميرا) ستكون ضخمة. ستحتاج إلى أكثر من 300 جهاز تلفزيون عالي الدقة (هاى ديفنشن) لعرض صورة واحدة فقط".

وتعد الطاقة المظلمة مفهوما مختلفا تماما عن المادة المظلمة.

ويبدو أن هذه "القوة" الغامضة تعمل على تسريع تمدد الكون. الاعتراف بوجودها وتأثيرها في عام 1998 منح ثلاثة علماء جائزة نوبل.

سيحقق إقليدس في هذه الظاهرة من خلال رسم خرائط التوزيع ثلاثية الأبعاد للمجرات.

ويمكن استخدام الأنماط في الفراغات الكبيرة الموجودة بين هذه الأبعاد كنوع من "المقياس" لقياس التمدد عبر الزمن.

مرة أخرى، نجحت عمليات المسح التي تمت من على الأرض في تحديد الطاقة المظلمة بمساحات صغيرة من السماء، لكن تليسكوب إقليدس سوف يقيس المواقع الدقيقة لحوالي ملياري مجرة على بُعد حوالي 10 مليارات سنة ضوئية من الأرض.

وأكد البروفيسور بوب نيكول، من جامعة سوراي أن العلماء سيمكنهم "بعد ذلك طرح بعض الأسئلة المثيرة للاهتمام".

وقال لبي بي سي نيوز: "هل التسارع هو نفسه في جميع النقاط في الكون؟ اليوم، نحن نحسب المتوسط لكل شيء نقيسه. لكن ماذا لو لم يكن التسارع هناك هو نفسه هنا؟ سيكون هذا اكتشافا علميا".

لن يتمكن إقليدس من إخبارنا بشكل قاطع أن "هذه هي طبيعة المادة المظلمة والطاقة المظلمة"، لكن ما يجب أن يفعله هو تضييق نطاق النماذج والأفكار التي تسيطر على التفكير العلمي الحالي. وسوف يساعد هذا في تركيز انتباه وجهود المنظرين والتجريبيين.

على سبيل المثال، قد يقدم بعض التفكير الجديد حول كيفية اكتشاف الجسيمات التي يُعتقد حاليا أنها تمثل الكثير من المادة المظلمة.

وفيما يتعلق بالطاقة المظلمة، قد يتمكن مسح إقليدس من أن يخبر العلماء، أن تلك الطاقة بعيدا عن كونها من الخصائص الأساسية للفراغ الموجودة في الفضاء، بحسب أفضل التخمينات العلمية الحالية، فإن هناك تفسيرا أفضل لهذه القوة غير المعروفة فيما يتعلق بنظرية الجاذبية المعدلة. هذا أيضا سيكون اكتشافا علميا.

ويرى البروفيسور مارك ماكوغرين، كبير مستشاري وكالة الفضاء الأوروبية (إيسا) للعلوم والاستكشاف، أن أحد الاحتمالات هو أن الطاقة المظلمة هي في الواقع قوة خامسة، "قوة جديدة في الكون تعمل فقط على نطاقات ضخمة، لذا فهي لا تؤثر على الحياة هنا على الأرض".

وقال ماكوغرين: "لكن، بالطبع، يمكن أن تؤثر بشكل كبير على مصير كوننا، فإلى أي مدى يمكنه أن يتوسع؟ هل سيستمر في التسارع إلى الأبد، فقط يكبر ويكبر؟ أو ربما سينهار كله مرة أخرى؟"

سيدرس تلسكوب إقليدس تاريخ توسع الكون وتشكل البنية الكونية عن طريق قياس تأثير الانزياح الأحمر للمجرات حتى قيمة 2، وهو ما يعادل رصد 10 مليارات عام في الماضي. سيساعد الرابط بين الأشكال المجرية وتأثير الانزياح الأحمر الخاص بها في إظهار كيف تساهم الطاقة المظلمة في زيادة تسارع الكون. تستغل الأساليب المستخدمة ظاهرة عدسة الجاذبية، وقياس التذبذبات الصوتية الباريونية، وقياس المسافات المجرية عن طريق التحليل الطيفي.

تنتج ظاهرة عدسة الجاذبية (أو قص الجاذبية) عن انحراف أشعة الضوء بسبب وجود مادة تعدل محليًا انحناء الزمكان: إذ يظهر الضوء المنبعث من المجرات، وبالتالي الصور المرصودة، مُشوهاً نتيجة مروره بالقرب من مواد موجودة على طول خط البصر. تتكون هذه المواد جزئياً من المجرات المرئية ولكنها في الغالب مادة مظلمة. من خلال قياس هذا القص، يمكن استنتاج كمية المادة المظلمة الموجودة، ما يعزز فهم طريقة توزيعها في الكون.

ستتيح القياسات الطيفية قياس تأثيرات الانزياح الأحمر للمجرات وتحديد بعدها باستخدام قانون «هابل». بهذه الطريقة، يمكن للعلماء بناء توزيع ثلاثي الأبعاد للمجرات في الكون.

باستخدام هذه البيانات، يمكن في الوقت ذاته قياس الخصائص الإحصائية المتعلقة بتوزيع المادة المظلمة والمجرات، وقياس طريقة تغير هذه الخصائص مع استمرار المركبة الفضائية برصد المجرات البعيدة. من المهم التقاط صور عالية الدقة لتوفير قياسات دقيقة بما يكفي. يجب الأخذ بعين الاعتبار ومعايرة أي تشويه متأصل في أجهزة الاستشعار، وإلا فإن البيانات الناتجة ستكون محدودة الاستخدام.

 في الساعة الحادية عشرة واثنتي عشرة دقيقة من صباح يوم السبت الأول من تموز يوليو 2023 ، انطلقت مركبة إقليدس الفضائية من قاعدة كاب كانافيرال في ولاية فلوريدا الأميركية، في مهمة ترمي لكشف أحد أهم الألغاز في علم الفلك والمتمثل في مادتين مظلمتين غامضتين تشكلان 95% من الكون، لكن لا تتوفر أي معطيات تقريباً عن طبيعتهما الدقيقة. انطلقت إلى الفضاء في مهمتها لرسم تاريخ الكون حسب ما كان عليه قبل عشرة مليارات سنة.

قد انطلق القمر الاصطناعي عند الساعة 11,12 بالتوقيت المحلي (15,12 بتوقيت غرينيش) على متن صاروخ "فالكون 9" المصنوع من شركة "سبايس إكس" الأميركية.

واضطرت وكالة الفضاء الأوروبية إلى اللجوء للشركة المملوكة من الملياردير إيلون ماسك لإطلاق المهمة بعد أن سحبت روسيا صواريخها من طراز سويوز رداً على العقوبات الغربية عليها بسبب الحرب في أوكرانيا.

بعد رحلة تستمر شهراً عبر الفضاء، سينضم "إقليدس" الذي يبلغ وزنه طنين وصممته شركة "تاليس ألينيا سبايس"، إلى التلسكوب الفضائي "جيمس ويب" في نقطة مستقرة على بعد 1,5 مليون كيلومتر من الأرض تسمى نقطة لاغرانج الثانية.

من هناك، سيرسم "إقليدس"، الذي سُمّي على اسم مخترع الهندسة، خريطة ثلاثية الأبعاد للكون، تشمل ملياري مجرة على جزء يغطي ثلث القبة السموية.

وهذه "أول مهمة فضائية لدرس خصائص الطاقة المظلمة"، وفق ما أكد قبل الانطلاق مايكل سيفرت، المدير العلمي للمشروع في وكالة الفضاء الأميركية (ناسا) التي تشارك في هذه المهمة لوكالة الفضاء الأوروبية.

ويكمن الهدف في إعادة بناء تاريخ الكون من خلال تجزئته إلى "أجزاء زمنية"، على ما أوضح عالم الفيزياء الفلكية يانيك ميلييه، رئيس اتحاد "إقليدس" الذي يضم حوالى 2600 باحث من 16 دولة، خلال مؤتمر صحافي.

تتمثل مهمة إقليدس الأساسية في إنشاء خريطة ثلاثية الأبعاد هائلة للكون في محاولة لربط بعض خصائص ما يسمى بالمادة المظلمة والطاقة المظلمة.

ويبدو أن هذه الظواهر معا تتحكم في شكل وتوسيع كل شيء نراه هناك (في الكون). ويقر الباحثون بأنهم لا يعرفون شيئا عن هذه الظواهر تقريبا. ولا يمكن اكتشاف المادة المظلمة أو الطاقة المظلمة بشكل مباشر ، لأنهما ببساطة غير مريئتان ولا تتأثران أو تؤثران في الضوء أو اي مادة أخرى.

وقالت البروفيسورة إيزوبيل هوك، إن هذه الفجوة الكبيرة في المعرفة تعني أننا لا نستطيع حقا تفسير أصولنا.

وتعتقد عالمة الفلك بجامعة لانكستر في بريطانيا، أن الرؤية من خلال إقليدس ستكون أفضل رهان لنا للوصول إلى طريق الفهم.

وأضافت إيزوبيل لبي بي سي نيوز، "سيكون الأمر أشبه بالانطلاق على متن سفينة قبل أن يعرف الناس موقع الأرض بالنسبة للاتجاهات المختلفة. لذلك سنقوم برسم خريطة للكون لمحاولة فهم المكان الذي نتواجد فيه وكيف وصلنا إلى هنا - كيف نشأ الكون كله من نقطة الانفجار العظيم وصولا إلى المجرات الجميلة التي نراها حولنا، وكذلك النظام الشمسي حتى نصل إلى نشأة الحياة".

محقق الظلمة

وقالت عضو اتحاد "إقليدس" غوادالوبي كاناس خلال مؤتمر صحافي قبل الإطلاق، إن التلسكوب الفضائي هو بمثابة "محقق الظلمة"، ومن شأنه كشف مزيد من المعلومات عن كلا العنصرين.

ومن دون هذه المعلومات، لا يمكن للعلماء شرح كيفية عمل الكون. ويعود تاريخ اللغز إلى ثلاثينيات القرن الماضي، عندما افترض عالم الفلك السويسري فريتز زويكي، خلال مراقبة عنقود مجرات كوما، أنّ جزءاً كبيراً من كتلته كان غير مرئي.

وبعد ما يقرب من 100 عام، أصبح وجود هذه المادة المفقودة التي توصف بالسوداء لأنها لا تمتص الضوء ولا تعكسه، موضع إجماع.

ويحتوي المسبار "إقليدس" البالغ طوله 4,7 أمتار وعرضه 3,5 أمتار، على أداتين على متنه: جهاز تصوير للضوء المرئي (VIS) ومصور طيفي قريب من الأشعة تحت الحمراء (NISP).


منجم ذهب للفيزياء الفلكية

لكن كيف يمكن ملاحظة ما هو غير مرئي؟ يحصل ذلك عبر قياس غيابه، من خلال تأثيرٍ التوائي يُسمّى عدسات الجاذبية: فالضوء من جسم بعيد، مثل المجرة، ينحرف بشكل غير محسوس من طريق المادة المرئية والمادة المظلمة التي يصادفها في طريقه وصولاً إلى نقطة الرصد.

ويلفت عضو اتحاد "إقليدس" ديفيد إلباز إلى أنه "بمشاهدة مسار التشوهات هذا في تاريخ الكون، سوف نفهم كيف تتصرف الطاقة المظلمة".

وبحسب يانيك ميلييه، فإن رسم الخرائط غير المسبوق هذا سيشكل "منجم ذهب للفيزياء الفلكية"، إذ يسمح بدرس شكل المجرات، وولادة التجمعات، والثقوب السوداء ...

ومن المتوقع أن يرسل التلسكوب صوره الأولى بمجرد بدء العمليات العلمية في تشرين الأول/أكتوبر، مع التخطيط للكشف عن بيانات رئيسية عن المهمة خلال الأعوام 2025 و2027 و2030.

ويُتوقع أن تستمر هذه المهمة الأوروبية البالغة تكلفتها 1,5 مليار يورو حتى عام 2029، لكنها قد تطول أكثر إذا سارت الأمور على ما يرام.

ويأمل القائمون على المهمة في أن يساعد ذلك في الكشف عن الآثار التي خلفتها المادة المظلمة والطاقة المظلمة أثناء تكوين المجرات.

المادة المظلمة والطاقة المظلمة ذات طبيعة غير معروفة، ولكن يبدو أنهما تتحكمان في الكون الذي يتكون بنسبة 5% فقط من مادة مرئية "عادية". هذا النقص في المعرفة يصفه جوزيبي راكا، رئيس مهمة "إقليدس"، بأنه مصدر "إحراج كوني".

وسيكون البُعد الثالث للخريطة هو الوقت: فعبر التقاط الضوء الذي استغرق بلوغه إلينا من المجرات ما يصل إلى عشرة مليارات سنة، سيتعمق "إقليدس" في الماضي السحيق للكون، البالغ من العمر 13,8 مليار سنة.

سوف يستعمل التلسكوب الفضائي الذي أقامته وكالة الفضاء الأوروبية أدواته لتسجيل أكثر من ثلث السماء خارج المجرة على مدار السنوات الست القادمة ليسفر عن أدق خريطة ثلاثية الأبعاد للكون حتى اليوم.

يخطط الباحثون لاستعمال خريطة إقليدس في استكشاف كيفية تأثير المادة المظلمة والطاقة المظلمة ـ وهي مادة غامضة تشكل 95% من كوننا ـ على ما نراه حينما ننظر عبر المكان والزمان.

وقال جون رودز عالم الفيزياء في مختبر الدفع النفاث التابع لوكالة ناسا والذي يقود فريق إقليدس العلمي في الولايات المتحدة إن «إقليدس يأتي في وقت مثير للغاية في تاريخ علم الكونيات. فنحن في مستهل وقت سيكون فيه إقليدس أداة رائعة للإجابة على أسئلة تبدأ الآن في الظهور. وإنني على يقين من أن إقليدس سوف يكون رائعا في إجابة أسئلة لم تخطر لنا بعد».

انطلقت المركبة الفضائية من كيب كانافيرال بولاية فلوريدا على صاروخ سبيس إكس فالكون 9 في طقس أقرب إلى المثالي للرحلة. وقد انفصل إقليدس، الذي لا يزال مرتبطا بالمرحلة الثانية من الصاروخ، عن معزِّزه بعد ثلاث دقائق من الإطلاق، وسط جولة من التصفيق. ثم دخل في مدار مستقر حول الأرض بعد حوالي تسع دقائق من الرحلة. وبعد قرابة أربعين دقيقة، انفصل التلسكوب عن المرحلة الثانية وبدأ رحلة مليون ميل إلى نقطة معينة في الفضاء هي التي ينبغي أن تبدأ فيها رحلة المهمة العلمية.

قال جوادالوبي كاناس هيريرا، عالم الكونيات النظرية في مهمة إقليدس، في بث متلفز لوكالة الفضاء الأوروبية، عند سؤاله عن الإطلاق إنه «أمر لا يصدق! تجتاحني العواطف، لكنني أيضا ممتن للغاية لكل ما تم القيام به حتى الآن لكي نتمكن من الحصول على تلسكوب في الفضاء».

لم يكن أمام بعثة الفيزياء الفلكية الأوروبية خيار سوى الطيران مع أمريكا. فوكالة الفضاء الأوروبية كانت قد خططت لإطلاق المركبة الفضائية إما على صاروخ سويوز الروسي أو صاروخ أريان 6 الأوروبي الجديد. ولكن بسبب انقطاع العلاقات الفضائية الأوروبية الروسية بعد غزو أوكرانيا، وتأخيرات طرأت على آريان 6، نقلت وكالة الفضاء الأوروبية بعض عمليات الإطلاق إلى سبيس إكس، وقد كان من بينها مهمة إقليدس.

لن تكون المركبة الفضائية هي الوحيدة الشاخصة إلى مخزن كوننا البارد. ولكن خلافا لتلسكوبي هابل وجيمس ويب الفضائيين، اللذين يركزان بعمق على جزء واحد من السماء في المرة الواحدة، سيستخدم العلماء إقليدس لتغطية مساحات واسعة من السماء خارج المجرة في الوقت الواحد. وفي ثلاث من المناطق التي يسجلها، سوف يصل إقليدس إلى مسافة أبعد، مصوِّرا بنية الكون بعد حوالي مليار سنة من الانفجار العظيم.

أحد أهداف التلسكوب الفضائي يتمثل في المادة المظلمة، وهي المادة اللاصقة غير المرئية في الكون، وهي مادة لا ينبعث منها ضوء، ولا تمتصه ولا تعكسه. ولقد استعصت المادة المظلمة حتى الآن على الاستكشاف المباشر، برغم كل الجهود التي بذلها علماء الفيزياء، لكنهم يعرفون أنها موجودة بسبب تأثيرها الجاذبي على طريقة حركة المجرات.

من ناحية أخرى، تمثل الطاقة المظلمة قوة أكثر غموضا هي التي تدفع المجرات عن بعضها البعض ـ بحيث يتمدد كوننا بمعدل متسارع.

سوف تكشف خرائط إقليدس للكون عن كيفية توزيع المادة المظلمة عبر الزمكان بناء على كيفية تشوه الضوء القادم من المجرات خلفها، وهو التأثير الذي يعرف باسم عدسة الجاذبية الضعيفة. (ويختلف هذا عن عدسة الجاذبية القوية، أي التشوه الأكثر دراماتيكية عن طريق التجمعات المجرية التي تخلق أقواسا أو حلقات أو حتى صورا متعددة لمصدر واحد).

تسهم هذه القياسات في مزيد من الجهود المباشرة لمعرفة ماهية المادة المظلمة في حقيقتها.

قالت كلارا نيليست، عالمة فيزياء الجسيمات في المنظمة الأوروبية للبحوث النووية CERN في أوروبا، وغير المشاركة في مهمة إقليدس «إننا نبحث عن الشيء نفسه من زوايا مختلفة». إذ يبحث باحثو التجارب الأرضية عن علامات اصطدام جسيمات المادة المظلمة بأجهزة الكشف الخاصة بهم. وقالت نيليست إن «أي معلومات نجمعها حول كيفية توزيعها في كوننا تساعدنا في البحث عنها في تصادماتنا بطريقة أكثر تركيزا».

يأمل العلماء أن يتمكنوا عبر إقليدس من اختبار ما إذا كانت نظرية النسبية العامة لألبرت أينشتاين تعمل بشكل مختلف على النطاق الكوني. وقد يكون ذلك مرتبطا بطبيعة الطاقة المظلمة: سواء أهي قوة ثابتة في الكون، أم قوة ديناميكية تختلف خصائصها بمرور الزمن.

قال كزافييه دوباك، عالم الكونيات في وكالة الفضاء الأوروبية في مهمة إقليدس إنه «إذا تبين لنا أنها غير ثابتة، ولكنها شيء يتغير بمرور الزمن، فسيكون هذا اكتشافا ذا أثر ثوري»، لأنه سيقلب ما هو معروف عن الفيزياء الأساسية رأسا على عقب. بل إن اكتشافا كهذا قد يلقي الضوء على المصير النهائي لما يبدو أنه كوننا دائم التوسع.

يستضيف إقليدس مصورا مرئيا يتكون من كاميرا بدقة 600 ميجابكسل يمكنها تصوير منطقة باتساع يصل إلى سماء قمرين كاملين في المرة الواحدة. وباستخدام هذه الأداة، سيتمكن العلماء من التعرف على كيفية تشوه أشكال المجرات بأثر المادة المظلمة القائمة أمامها.

كما أن لدى إقليدس مطيافا للأشعة دون الحمراء القريبة ومقياسا للضوء، وسوف يتم استخدامهما لتسجيل المجرات في الأطوال الموجية غير المرئية وكذلك قياس انزياحها الأحمر، أي تأثير تمدد الطول الموجي في الضوء القادم من الكون البعيد الناتج عن توسع الكون. وعند استخدامها مع مجموعة من الأدوات الأرضية ـ منها تلسكوبات سوبارو وتلسكوبات كندا وفرنسا وهاواي في مرصد ماونا كيا، وأخيرا مرصد فيرا سي روبن في تشيلي ـ سوف يتمكن العلماء من تحويل الانزياح الأحمر إلى قياسات للمسافة من الأرض.

بعد نجاح إطلاق إقليدس، يشرع الآن في رحلة مليون ميل من الأرض إلى مدار عند ما يعرف باسم نقطة لاجرانج الثانية، أو إل2، وهي مكان في النظام الشمسي تتوازن فيه قوى جذب الأرض والشمس مع حركة القمر الصناعي. في مواجهة مباشرة بعيدة عن الشمس، يضع هذا الموقع الاستراتيجي إقليدس أيضا في بقعة تسمح بإجراء مسوحات واسعة للسماء دون أن تحجب الأرض أو القمر رؤيته. ويدور تلسكوب جيمس ويب الفضائي في إل2 للسبب نفسه.

سوف يستغرق وصول المركبة الفضائية إلى إل2 قرابة الشهر، ثم ثلاثة أشهر أخرى لاختبار أداء أدوات إقليدس قبل البدء في إرسال البيانات مرة أخرى إلى الأرض ليقوم العلماء بتحليلها. وسوف يتم نشر هذه البيانات للجمهور في 2025 و2027 و2030.

قال يانيك ميليير، عالم الفلك في معهد الفيزياء الفلكية في باريس، في مؤتمر صحفي قبل الإطلاق الأسبوع الماضي، إنه بالإضافة إلى أهدافه العلمية الرئيسية، سينشئ إقليدس مسحا فريدا للسماء يضم 12 مليار مجرة بجودة صورة تنافس هابل.

وقال الدكتور ميليير إن ذلك سيكون «منجم ذهب لجميع مجالات علم الفلك لعدة عقود».


إقليدس يرسل أو صوره المبهرة عن الكون

صورة ملتقطة من الأداة "نيسب" المسؤولة عن نطاق الأشعة تحت الحمراء القريبة (وكالة الفضاء الأوروبية)

أعلن علماء من وكالة الفضاء الأوروبية أن المهمة "إقليدس" تمكنت بنجاح من التقاط الصور الأولى على سبيل الاختبار، والتي كانت دقيقة وواضحة بشكل كاف لتشير إلى أن التلسكوب الفضائي سيحقق أهدافه التي أرسل من أجلها، وسيبدأ في إنجازها خلال أسابيع قليلة.

وبحسب بيان صحفي رسمي صادر من الوكالة، فإن الاختبارات الأولية جرت للتأكيد على دقة أداتين تستخدم كلتاهما مرآة بقطر 1.2 متر، الأولى هي أداة إقليدس المرئية "فيز" (VIS)، وتحتوي على 36 وحدة من أجهزة التحكم عن بعد وحساسات مصممة خصيصا لتلبية المتطلبات الصعبة للبعثة، حيث تتميز بكفاءة عالية للغاية وتشويش منخفض وتحمل جيد للإشعاع، كما تتميز بقدرة تصوير تساوي 600 ميغا بيكسل.

أما الأداة الثانية فهي مطياف من الأشعة تحت الحمراء القريبة ومقياس الضوء "نيسب" (NISP)، والتي تتكون من فسيفسائية تحتوي على 16 كاشفا للنطاق القريب من الأشعة تحت الحمراء، والتي توفر قياسات دقيقة للمسافات لأكثر من مليار مجرة بدقة أفضل 10 أضعاف من القياسات الضوئية المعتادة.

والتقطت أداتي المركبة الفضائيّة (كاميرا ضوء مرئي وكاميرا/مطياف الأشعة تحت الحمراء القريبة) الصّور التجريبيّة الأوليّة، كاشفتين عن مشاهد متلألئة للسماء تغصّ بالنّجوم، ما يثبت أن كل شيء على متن المركبة في حالة ممتازة.

وأكّد جوزيبي راكا، مدير مشروع "إقليدس" في وكالة الفضاء الأوروبيّة، في بيان: "بعد أكثر من 11 عامًا على تصميم وتطوير إقليدس، تُعد رؤية هذه الصور الأولية (حدثًا) مشوّقًا وعاطفيًا".

وأضاف راكا: "في النهاية، سيراقب إقليدس المدروس بالكامل مليارات المجرّات لإنشاء أكبر خريطة ثلاثيّة البعد للسّماء على الإطلاق".

ومنذ إطلاقه في الأول من يوليو/تموز، قضى "إقليدس"، وهو أحدث مرصد تابع لوكالة الفضاء الأوروبيّة، الشّهر الماضي في السفر إلى نقطته المداريّة الواقعة على بُعد 1.5 مليون كيلومتر من الكرة الأرضيّة.

وشجّعت الصور الأولية للتلسكوب العلماء بالفعل بفضل قدراته التي أثبتت أنّها قد تفوق التوقعات.

ويمكن للمنظور العريض للتلسكوب تسجيل البيانات الخاصة جزء من السماء، كونه يتمتّع بقدرة تفوق بمئة مرّة ما يمكن أن تلتقطه كاميرا تلسكوب "جيمس ويب". وستكون جودة صورة التلسكوب أكثر وضوحًا بـ4 مرّات في الحد الأدنى من تلك الخاصة بمسوحات السماء التي تُجرى من الأرض. وفي الوقت عينه، ستلتقط أداة "NISP" صورًا للمجرّات بالأشعة تحت الحمراء، مع رصدها القياسات المُحدِّدة لبُعد كل مجرّة.



التقطت أداة "VIS" صورًا اختباريّة للمجرات الحلزونيّة، والإهليلجيّة، والعناقيد النجميّة، والنّجوم القريبة، والبعيدة.Credit: ESA/Euclid Consortium/NASA

أهداف في الكون المظلم

وتهدف هاتان الأداتان لتحقيق مهمة إقليدس الأساسية، وهي معرفة ما إذا كانت الطاقة المظلمة حقيقية أم لا. والطاقة المظلمة هي كيان يفترض العلماء أن وجوده يتسبب في تسارع تمدد الكون. ولفهم الأمر تخيّل أنك تلقي بكرة للسماء، من المفترض بعد قليل أن تقف وتعود إليك بفضل الجاذبية، لكن ماذا لو اكتشفت أنها كلما ابتعدت عنك، تصبح أسرع في الصعود.

في هذه الحالة ستفترض أن هناك شيئا خفيا يدفع الكرة، وهكذا يتخيل العلماء حالة الكون، إذ كان من المفترض أن يهدأ في تمدده بعد الانفجار العظيم بفترة، لكنه على العكس من ذلك يتسارع، مما يشير إلى وجود شيء ما خفي يدفعه للتسارع، هذا الشيء هو الطاقة المظلمة.

ستحاول المهمة إقليدس كذلك اختبار فرضيات أخرى لهذا التسارع، منها أن النظرية النسبية العامة لألبرت أينشتاين يمكن أن تكون خاطئة على المقاييس الكبيرة، أو أن الكون يعد أقل كثافة أو انتظامًا في التوزيع مما تقترحه النظريات الحالية، وهي فرضيات تنفي بنجاحها وجود الطاقة المظلمة.

إلى جانب ذلك، تهدف المهمة لاستكشاف أحد أسرار الكون الأخرى وهو المادة المظلمة، تلك المادة التي لا يمكن للعلماء رصدها، ولكنهم يرصدون أثرها الجاذبي على محيطها، حيث يظهر للعلماء أن المجرات تظهر (في أرصادهم لسرعتها) أثقل مما تبدو عليه، مما يعني وجود مكوّن خفي لها، هذا المكون هو المادة المظلمة.

وتمثل كل من المادة والطاقة المظلمتين 95% من تركيب هذا الكون، ويتبقى 5% فقط لما نعرفه، ويمثل مادة المجرات والنجوم والكواكب وكل شيء، وصولا إلى الأدوات التي نستخدمها يوميًا وتلك التي تدخل في تركيب أجسامنا.

انطلقت إقليدس للفضاء في الأول من يوليو/تموز الماضي على متن الصاروخ "فالكون 9″، وقد وصلت تقريبا إلى المنطقة المستهدفة بحلول الأول من أغسطس/آب الجاري، هذه المنطقة هي نقطة "لاغرانج الثانية" على مسافة متوسطة تبلغ 1.5 مليون كيلومتر خارج مدار الأرض (النقطة نفسها التي يقف عندها جيمس ويب)، ومن المتوقع أن يعمل التلسكوب الجديد هناك لمدة 6 أعوام على الأقل.

المصادر:

  • https://edition.cnn.com/2023/08/01/world/euclid-telescope-first-test-images-scn/index.html
  • https://www.scientificamerican.com/article/euclid-space-telescope-snaps-spectacular-first-images/
  • https://www.esa.int/Science_Exploration/Space_Science/Euclid_overview
  • https://www.euclid-ec.org/

TAG

ليست هناك تعليقات

إرسال تعليق

شاركنا بتعليقك ، مع مراعاة :
- أحترام الآداب العامة وأحترام الرأي الآخر
- عدم الأساءة الى أي جهة سواء كانت دينية أو سياسية
- عدم مشاركة الروابط والأعلانات منعاً باتاً

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *